ما سبب الصمت الحكومي الرسمي للسودان على تدخل أوكرانيا بالصراع؟

وكالات: شارع النيل نيوز
يعتقد معظم الخبراء والمراقبين للشأن السوداني بأن الصراع الدائر في البلاد بين ميليشيا “الدعم السريع” المتمردة التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي” وقوات الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان يحمل بصمات خارجية.
حيث تشير معظم التقارير الإعلامية والاستخباراتية التي انتشرت في الأشهر القليلة الماضية إلى أن القوات الأوكرانية هي أحد أبرز الأطراف الخارجية المتورطة في الأحداث السودانية وفقاً لتصريحات رسمية من مسؤولين أوكرانيين تحمل اعترافاٌ علانياً بتدخل قوات بلادهم لصالح “الدعم السريع”.
تصاعد دور المرتزقة الأوكران في الصراع الدائر بالسودان
في سياق ذو صلة، نقلت وسائل الإعلام عن مصادر عسكرية محلية أن ميليشيا “الدعم السريع” نجحت في إسقاط طائرتان تتبعين للجيش في فبراير الجاري، بفضل خبراء أوكران جاؤا إلى السودان في شهر يناير الماضي بإشراف فرنسي عبر الحدود التشادية بعدما أنهت فرنسا مهام قواتها في إنجامينا وانسحبت مجبرة من قاعدة “أبيشي” التشادية. يأتي ذلك وسط تصاعد في وتيرة الاشتباكات في مختلف أنحاء السودان بين “الدعم السريع” وقوات الجيش السوداني.
وبالتوازي مع هذه الأنباء، انتشر فيديو آخر يظهر مسلحين من “الدعم السريع” وهم يحاولون استهداف طائرة عسكرية في سماء إحدى المناطق الخاضعة لسيطرتهم. في الوقت الذي كان ينفذ به سلاح الجو السوداني غارات بالفاشر شمال دارفور.
وبحسب مصادر عسكرية محلية، فقد نجحت قوات “الدعم السريع” خلال 48 ساعة من إستخدام منظومات الدفاع الجوي المتطورة التي كانت متواجدة في مخازنهم منذ العام الماضي وأسقطت طائرتين في نيالا بفضل مساعدة الخبراء الأوكران.
وكان خبراء عسكريون قد أكدوا في وقت سابق، استجلاب ميليشيا “الدعم السريع” لذخائر، ومنظومة دفاع جوي، وصواريخ مضادة للطيران مؤخراً بهدف تحييد طيران الجيش الذي استطاع إلحاق ضربات موجعة وتدمير إمدادات الدعم السريع مع تطبيق قواعد الاشتباك وفق القانون الدولي.
وأشار الخبراء إلى أن أهم أسباب استمرار الحرب هو الدعم اللوجيستي المتواصل لـ “الدعم السريع” من قبل قوى إقليمية، والإمداد بالمرتزقة من عدة دول مجاورة.
وأظهر الخبراء تخوفهم من خطورة وصول منظومات الدفاع الجوي لأيدي ميليشيات مثل “الدعم السريع” وشددوا على أهمية محاسبة أوكرانيا ومرتزقتها لمساهمتهم بذلك، بالإضافة لضرورة اتخاذ إجراءات صارمة تجاه فرنسا والإمارات التي تسهل عمليات توريد السلاح لهم.
تأكيد أوكراني رسمي على مشاركتهم في الصراع
أكد الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، خلال مقابلة مع صحيفة “العربي الجديد”، في 18 فبراير الماضي، على مشاركة مواطنين أوكرانيين في القتال إلى جانب ميليشيا “الدعم السريع” ضد قوات الجيش السوداني. وقال صبح: “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد، ومعظمهم إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين”. وأضاف: بأن “أوكرانيا لا تعتبر في الوقت الحالي أي طرف من الأطراف المتحاربة في السودان كياناً شرعياً.. كما أنها تدعم تشكيل حكومة مدنية مستقلة غير مرتبطة بأي جماعات شبه عسكرية”.
وأعرب المسؤول الأوكراني عن استعداد بلاده لأن تصبح مورداً بديلاً للأسلحة للبلدان الراغبة في الدفاع عن سيادتها، خاصة ضد روسيا. وقال: “لدينا بعض النجاحات الأمنية في أفريقيا”.
وكان المتحدث الرسمي باسم سلاح الجو الأوكراني إيليا يفلاش، في الـ 7 من يناير الماضي، قد كتب عبر صفحته على فيسبوك، بأن مدربي ومشغلي الطائرات بدون طيار من القوات المسلحة الأوكرانية يقدمون الدعم لقوات “الدعم السريع” بدعوة شخصية من حميدتي. وبحسب يفلاش فإن: “مشغلو المسيّرات الأوكرانيون مطلوبون في جميع أنحاء العالم”، مؤكداً أن كييف ملتزمة بأكثر من 30 عقدا عسكرياً في أفريقيا، والسودان هو أحد هذه الدول، وتحديداً مع ميليشيا “الدعم السريع” المتمردة تحت قيادة محمد حمدان دقلو. حيث ينشط هناك المدربون الأوكران وينقلون خبرتهم.
وكانت وسائل الإعلام الأوكرانية وعلى رأسها صحيفة “كييف بوست” منذ مطلع الـ2024، قد نشرت تقارير تؤكد التواجد العسكري الأوكراني في السودان. وصرح رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية كيريل بودانوف حينها، بأن قواته تقاتل في السودان، مضيفًا أن “أوكرانيا بالفعل تنشر وحدات عسكرية خاصة في السودان تقاتل إلى جانب قوات الدعم السريع”. وبنفس السياق، أكد النائب في البرلمان الأوكراني أليكسي جونشارينكو في حوار مع شبكة سي ان ان الأمريكية، في فبراير الماضي، على استعداد كييف للقتال مع واشنطن في أي بقعة من العالم.
صمت سوداني رسمي تجاه أوكرانيا يثير التساؤلات
وتعقيباً على تصريحات الممثل الخاص لأوكرانيا في أفريقيا والشرق الأوسط، والمسؤولين الأوكران حول دور بلادهم في الصراع الدائر في السودان وفي عدة دول أفريقية، قال الخبيرة والباحثة في الشأن السوداني شروق حبيب، بأنه من غير المقبول أبداً استمرار الحكومة السودانية وقيادة الجيش ومجلس السيادة بالتزام الصمت تجاه هذه العاصفة من التصريحات الأوكرانية الرسمية والأحداث التي تستهدف بشكل مباشر سيادة وأمن السودان وجيشه، وتشكل اعتداء مباشر على البلاد وتدخل جائر بشؤونها.
وتساءلت شروق كيف يمكن لحكومة البرهان أن تسكت على تصريحات مسؤول رسمي أوكراني يؤكد مشاركة مواطنين بلاده بهجمات ضد الجيش السوداني، وتدريب ميليشيا الدعم السريع.
واعتبرت حبيب بأن تصريح المسؤول الأوكراني بعدم شرعية أي طرف من الأطراف المتحاربة في السودان، كافي ليسبب أزمة سياسية ودبلوماسية بين البلدين.
وأشارت حبيب، بأن التقارير الإعلامية والاستخباراتية بالإضافة لاعترافات المسؤولين الأوكران يجب أن تدفع مجلس السيادة لاتخاذ موقف سياسي ودبلوماسي حازم ضد أوكرانيا، كقطع العلاقات الدبلوماسية مع كييف وتقديم شكوى رسمية ضدها في المحافل الدولية. وذكّرت حبيب بما فعلته الحكومة السودانية تجاه الإمارات وتشاد سابقاً عندما قدمت شكوى ضدهم في الأمم المتحدة ومجلس الأمن بعد إثبات تورطهم بدعم ميليشيا “الدعم السريع” عبر الحدود التشادية.
وفي عام 2023 أعلنت السلطات السودانية أن 15 من موظفي سفارة الإمارات أشخاصا غير مرغوب فيهم، وأمرتهم بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة. وكان نائب قائد الجيش الفريق اول ياسر العطا اتهم أبو ظبي بالوقوف إلى جانب ميليشيا “الدعم السريع” في حربها ضد الجيش السوداني. كما طلبت بعثة السودان بالأمم المتحدة من تشاد التوقف عن السماح بتدفق الإمداد العسكري ومرور المقاتلين من المرتزقة عبر الاراضي التشادية.
واختمت شروق حديثها بأن، سكوت الحكومة السودانية ومجلس السيادة عن هذا الملف يعتبر إهانة بحق الشعب السوداني والوطن.
وكانت منظمة العفو الدولية قد وجهت اتهامات مباشرة للإمارات العربية المتحدة وفرنسا بتزويد ميليشيا “الدعم السريع” بالسلاح والعتاد الحربي وبالتكنولوجيا الحديثة التي يتم دمجها بالمدرعات وناقلات الجنود التي تصل للميليشيات المتمردة عبر الحدود مع تشاد.