مقالات

حديقة جماع.. رسالة وفاء وصرخة جمال

✍️ بقلم: عبد الكريم إبراهيم

في زمنٍ تتعطش فيه الأرواح إلى الجمال، وتبحث فيه المجتمعات عن متنفسٍ يبعث الحياة في تفاصيلها اليومية، تأتي المبادرات المجتمعية كنبضٍ حيّ يعيد للمدن رونقها، وللأحياء دفئها، وللأهالي فسحةً من الأمل. ومن قلب حلفاية الملوك، انطلقت شرارة النفير التضامني الأول لتأهيل حديقة الشاعر إدريس جماع في الحي الأول، لتكون شاهدة على عودة الروح، واحتفاءً بجمالٍ يستحق أن يُغار منه.

شارك في هذا النفير أعضاء لجنة الحي، ولجنة الحديقة، ومجموعة الساحة الرياضية من شباب الحي، حيث تم تنفيذ أعمال نظافة شاملة، إزالة الحشائش والأنقاض، وتسوية أرضية المسرح، استعدادًا لاستقبال فعاليات ثقافية واجتماعية ضمن دورة الشهداء الرياضية المرتقبة نهاية يناير 2026م، تكريمًا لأرواح شهداء حلفاية الملوك الذين ارتقوا في زمن الحرب.

وقد تميز الحضور بالحيوية والتعاون، حيث بادر عدد من أبناء الحي بتقديم خدمات الضيافة، في مشهدٍ يعكس روح التكافل والانتماء، ويجسد صورةً ناصعة من صور العمل الجماعي الذي يزهر حين تتكاتف الأيدي وتتوحد القلوب. بأملٍ يزهر كأغصان الياسمين، تستمر الجهود لاستكمال المهام المتبقية، في سبيل تحويل الحديقة إلى منارةٍ خضراء تليق باسم شاعرها، وتليق بأهلها، وتكون ملاذًا للراحة، وفضاءً للفرح، ومرآةً تعكس جمال الروح السودانية.

ومن هذا المنبر، نناشد شباب السودان بصفة عامة، وأبناء حلفاية الملوك بصفة خاصة، الذين عادوا إلى ديارهم، أن يحذوا حذو لجنة تسيير الحي الأول، وأن يبادروا بأعمال النظافة والصيانة وإعادة التأهيل والتشجير في حدائق أحيائهم ومناطقهم. فلتكن كل حديقة واحةً مخضرة، ومنفذًا أخضر يحتضن أفراحهم وأتراحهم، ويمنحهم مساحةً للقاء، والتعبير، والاحتفاء بالحياة. فالأشجار لا تنمو إلا حين تُروى، والمجتمعات لا تزدهر إلا حين تتكاتف.

كل الشكر والتقدير للجنة التسيير والخدمات بالحي الأول، برئاسة الأستاذ يس إبراهيم، ولجنة الحديقة، ومجموعة الساحة الرياضية من شباب الحي، ولكل من ساهم في هذا العمل الجليل من أبناء الحي الأول. ويظل اسم الحديقة تخليدًا لابن حلفاية الملوك، الشاعر القامة الراحل إدريس محمد جماع، رحمه الله وغفر له، الذي سكن الجمال كلماته، وسكنت كلماته وجداننا، فكان شاعرًا للوطن، وللإنسان، وللجمال.

إن إعادة الحياة لحديقة جماع ليست مجرد عملٍ بيئي، بل هي رسالة وفاء، وصرخة جمال، ودعوة للتكاتف. فلنكن جميعًا على قدر هذا الجمال، ولنغار منه كما غارت منه القصائد، ولنجعل من كل حيٍّ لوحةً خضراء تنبض بالحياة، وتروي حكاية حبٍ وانتماء.

ونختم ببعض أبيات شاعرنا الراحل إدريس جماع، بنظرةٍ على جمال (حديقته):

أعلى الجمال تغار منا  

ماذا علينا إذا نظرنا؟  

هي نظرة تنسي الوقار  

وتسعد الروح المعنّى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى