أحمد هارون لرويترز : لن نعود إلا بصندوق الاقتراع و لا مستقبل للسودان بلا جيش
متابعات : شارع النيل نيوز

في مقابلة نادرة أجرتها وكالة “رويترز” مع رئيس حزب المؤتمر الوطني “المحلول”، أحمد هارون، من مكان آمن في شمال السودان، كشف هارون عن تصورات حزبه للمرحلة السياسية المقبلة في البلاد، مؤكدًا تمسك الإسلاميين بتحالف استراتيجي مع الجيش السوداني كوسيلة للعودة إلى الحكم بعد الحرب.
وقال هارون إن الانتخابات قد تكون طريقًا لعودة حزبه، المؤتمر الوطني، والحركة الإسلامية إلى السلطة، مرجحًا استمرار الجيش في لعب دور سياسي حتى بعد انتهاء القتال.
وأضاف أن “المؤتمر الوطني يتصوّر هيكل حكم هجينًا يحتفظ فيه الجيش بالسيادة، حتى تتم إزالة جميع التهديدات”، موضحًا أن هذه التهديدات ليست فقط عسكرية، بل سياسية وأمنية وفكرية، في إشارة إلى القوى المدنية والثورية التي تعارض عودة الإسلاميين إلى الحكم.
كما أقرّ هارون بأن حزبه اتخذ قرارًا استراتيجيًا بعدم العودة إلى السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع بعد الحرب، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة بقاء الجيش في مركز العملية السياسية إلى أن تُزال كل “التهديدات”،
وهو مصطلح كرره مرارًا خلال المقابلة، في محاولة لربط استقرار البلاد باستمرار النفوذ العسكري.
ورفض هارون ما وصفه بـ”النموذج الغربي” للحكم، قائلاً إنه “غير عملي في السودان”، بسبب غياب الأمن وتعدد الطامعين في السودان من الخارج، مضيفًا: “لا نريد أن تكون هذه أول ولا آخر حرب في البلد”، في تلميح إلى أن البلاد تحتاج لنموذج سياسي أكثر صلابة من الديمقراطية الليبرالية الكلاسيكية.
حديث أحمد هارون يعكس بوضوح أن التيار الإسلامي في السودان لا يرى نفسه خارج معادلة الحكم، مهما تغيّرت الوقائع.
ورغم حديثه عن صناديق الاقتراع، فإن سياق التصريحات يكشف أن تلك الصناديق لا تُفهم إلا كغطاء شرعي لعودة محسوبة ومضمونة، في ظل ترتيبات سياسية وأمنية تضمن استمرار سيطرة المؤسسة العسكرية أو حمايتها للتيار الإسلامي. إنها عودة إلى فكرة “الشراكة تحت حماية العسكر”، مع فارق أن الإسلاميين هذه المرة لا يخفون هذا الرهان، بل يعرضونه كخطة علنية لإعادة صياغة السلطة.
وفي هذا الطرح تكمن مفارقة هامة: فبينما تخرج قوى مدنية واسعة تطالب بدولة بلا سلاح في السياسة، يعود الإسلاميون ليعيدوا إنتاج مشهد ما بعد الإنقاذ، عبر مقاربة تقوم على شرعنة البندقية وتأجيل الانتقال الديمقراطي، بذريعة أن “الخطر لم يزَل”.
وهذا يعيد إنتاج الأسئلة الكبرى التي واجهها السودان منذ الاستقلال: من يحكم؟ ولأي مشروع؟ وبأي وسيلة؟ حديث هارون لم يأتِ بوصفه خطابًا سياسيًا عاديًا، بل عكس تصورًا متماسكًا لمشروع يرى مستقبل السودان رهينًا بمعادلة تجمع بين الدين والبندقية، بين شرعية الانتخابات وسطوة السلاح، وهي معادلة إن قُدّر لها الاستمرار، فلن تُنتج سوى دورة جديدة من الأزمة بأسماء مختلفة